أَبَـنــيِ الكـنـانـةَ أبـشِــروا بِـمـحـمَّـدٍ ** وثِـقـوا بــراعٍ فِــي الـمـكـارم أَوحـــدِ
فَـهُـو الزَّعـيـمُ لَـكـمْ بِـكــلِّ فَضـيـلـةٍ** تَـبـقَـى مـآثِـرُهـا ، وعـيــشٍ أَرغــــدِ
مَــلِــكٌ نَـمــتــهُ أرومـــــةٌ عـلــويَّــة**ملـكَـت بـسـؤدُدِهـا عـنــانَ الـفـرقـدِ
يقـظُ البصيـرةِ لـو سـرَت فِـي عينـهِ**سِـنَـة الـرِّقـادِ ، فقلـبـهُ لَـــمْ يـرقــدِ
بدهـاتـهُ قـيــدُ الـصــوابِ ، وعَـزمــهُ**شـرُكُ الفـوارسِ فِـي العجـاجُ الأربـدِ
فَـإذا تنمَّـرَ فَهُـو (زيـدٌ) فِـي الـوَغَـى**وإذا تكلَّـم فَهُـو (قيـسٌ) فِـي النـدي
متقـسَّـمٌ مــا بـيـنَ حنـكـةِ أشـيــبٍ**صـدَقـت محيـلَـتـهُ ، وحـلـيـةِ أمـــردِ
لا يستريـحُ إلــى الـفـراغِ ، ولا يَــرَى** عَـيـشـاً يـلــذُّ بِـــهِ إذا لَــــمْ يَـجـهَــدِ
فَـنَـهـارهُ غَـيــثُ الـلَّـهـيـفِ ، ولـيـلــه** فِــي طـاعَـةِ الرَّحـمـنِ لَـيـلُ الـعـبَّـدِ
لَـهــجٌ بِـحــبِّ الصَّـالِـحـاتِ ، فكـلـمـا** بَـلـغَ النهـايـةَ مـــن صـنـيـعٍ يـبـتـدي
خُـلُـقٌ تَمـيَّـزَ عــن سِـــواهُ بفـضـلـهِ** والفضـلُ فِـي الأخـلاقِ إرثُ المُحـتـدِ
إقـلـيـدٌ معـضـلـةٍ ، ومـعـقِـلُ عــائــذٍ** وسـمــاءُ منـتـجـعٍ ، وقـبـلـةُ مـهـتـدِ
حسُنَـت بـهِ الأيــامُ حـتَّـى أسـفـرَتْ** عَـن وجـهِ معشـوقِ الشَّمائـلِ أغيَـدِ
وصفـت مـواردُ مصـرَ حتـى أصبحَـتْ** بــعــدَ الــكــدورةِ شــرعــةً لــلــورَّدِ
فـالـعــدلُ يـرعـاهــا بــرأفــةِ والــــدٍ** والـبــأسُ يَحمِـيـهَـا بـصـولـةِ أصـيَــدِ
بلـغـت بفـضـلِ (مُحـمَّـدٍ) مــا أمـلـت** مــن عـيـشـةٍ رغـــدٍ وجـــدٍّ أسـعــدِ
هــو ذلــكَ المـلـكُ الـــذي أوصـافــهُ** فِـي الشـعـر حلـيـةُ راجــزٍ ومقـصِّـدِ
فَبِـنـورهِ فِــي كـــلِّ جـنــحٍ نَـهـتَـدي**وبِهَـديـهِ فِــي كــلِّ خـطـبٍ نقـتـدي
سنَّ المشـورةَ ، وهـي أكـرمُ خطَّـةٍ** يَـجــري عَلَـيـهـا كــــلَّ راعٍ مــرشــدِ
هي عصمةُ الدِّيـن الَّتِـي أَوحَـى بِهـا** رَبُّ الـعِـبـادِ إلـــى الـنَّـبِـي مُـحـمَّــدِ
فَـمـن استَـعـانَ بِـهــا تـأيَّــدَ مُـلـكـهُ** ومـن استَـهـانَ بِأمـرهـا لَــمْ يَـرشُـدِ
أمـــرانِ مـــا اجتـمـعـا لـقـائـدِ أمـــةٍ** إلاَّ جَـنَــى بِـهـمـا ثِــمــارَ الــســؤددِ
جَـمـعٌ يـكـونُ الأمـــر فِـيـمَـا بَيـنَـهـم** شـــورى ، وجـنــدٌ لـلـعـدو بِـمـرصـدِ
هَيـهَـاتَ يَحـيـا المُـلـكَ دونَ مـشـورةٍ ** ويـعـزُّ ركــنَ المَـجـدِ مــا لَــمْ يـعـمـدِ
فَالسَّـيـفُ لا يَمـضـي بـــدونِ رويَّـــةٍ ** والـــرَّأي لا يَـمـضـي بـغـيـرِ iiمـهـنَّــدِ
فاعكفْ على الشورى تَجد فِي طيِّها ** مــن بيـنـات الحـكـمِ مــا لَــمْ يـوجـدِ
لا غــرو إن أبـصـرتَ فِــي صفحاتـهـا ** صـورَ الحـوادثِ ، فـهـي مــرآةُ الـغـدِ
فالعقـل كالمنـظـارِ يبـصـرُ مــا نــأى ** عـنــه قـريـبـاً ، دونَ لـمــسٍ بـالـيــدِ
وكفـاكَ علمُـكِ بالأمـورِ، وليـسَ مــن ** سـلـكَ السَّبـيـل كحـائـرٍ لَـــمْ يَـهـتَـدِ
فــلأنــتَ أولَ مــــن أفــــادَ بـعـدلــهِ ** حــريــةَ الأخـــــلاقِ بــعـــدَ تـعــبُّــدِ
أطـلـقـتَ كــــلَّ مـقـيَّــدٍ ، وحـلَّـلــتَ ** كُــلَّ معـقَّـدٍ ، وجَمـعـتَ كــلَّ مـبــدَّدِ
وتَمـتَّـعـتْ بـالـعــدلِ مــنــكَ رعــيَّــةٌ ** كـانـت فـريـسـةَ كـــلِّ بـــاغٍ مـعـتـدِ
فاسـلـم لِخَـيـر ولايـــةٍ عـــزَّت بِـهَــا ** نـفـسُ النصـيـحِ ، وذلَّ كـــلُّ مـفـنَّـدِ
ضرحت قذاةَ الغيِّ عن جفـنِ الهـدى ** وسـرت قنـاعَ اليـأسِ عـن أمــلٍ نــدِ
ضـمـت إلـيــكَ زمـــامَ كـــلِّ مـثـلِّـثٍ ** وثـنــت إلـيــكَ عـنــانَ كـــلِّ مـوحِّــدِ
وتـألَـفــتْ بَــعــدَ الــعــداوةِ أنــفــسٌ ** سكنـت بعدلـكَ فِــي نعـيـمٍ سـرمـدِ
فـحـبـاكَ ربُّـــكَ بالـجـمـيـلِ كــرامــةً ** لـجـزيـلِ مـــا أولـيــتَ أمَّـــةَ أَحـمــدِ
وتَـهــنَّ بـالـمـلـكِ الَّــــذي ألـبـسـتـهُ ** شـرفــاً بِـمـثـلِ ردائـــهِ لَـــمْ يَــرتــدِ
بزغـت بِـهِ شَمـسُ الهدايـةِ بعـدَ مــا ** أفـلَـت ، وأبـصـرَ كــلُّ طـــرفٍ أرمـــدِ
لَـمْ يَبـقَ مــن ذي خـلـةٍ إلاَّ اغـتـدى ** بِجَـمـيـلِ صـنـعِـكَ مـصــدراً لـلـوفَّــدِ
بَـلَـغَـتْ بِـــكَ الآمـــالَ أبـعــدَ غــايــةٍ ** قصرَت على الإغضـاءِ طـرفَ الحسَّـدِ
فَاسعَد وَدمْ واغنم وجُدْ وانعـمْ وسُـد ** وابــدأ وعُـــد وتَـهــنَّ واسـلــم وازدَدِ
لا زالَ عـدلـكَ فِـــي الأنـــامِ مُـخَـلـداً ** فالـعـدلُ فِــي الأيــامِ خـيــرُ مُـخَـلَّـدِ
للشاعر محمود سامي البارودي